الشرق الأوسط… بداية النهاية أم العكس؟
خريطة الشرق الأوسط الجديد حسب المخطط الأمريكي
أود أن أبدأ معكم سرد سلسلة من المقتلات و التحليلات عن الشرق الأوسط حيث إنني لم أستحسن أن أبدأ بمقالة منفردة عن الوضع الحالي دون توضيح مسبق مني عن رؤيتي لما حدث و ما يحدث و الأهم ما سوف يحدث فى الفترة المقبلة. هذا بالرغم من أن لي العديد من المقالات و الأوراق البحثية و كتاب تم نشره لي فى فرنسا عاما ٢٠١٥ عن التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين و لكن كل ذلك كان باللغة الفرنسية ، والآن أجد أن الفرسة سانحة للكتابة بالعربية و مشاركتكم تحليلاتي السياسية لمنطقة الشرق الأوسط. و هنا أبدأ الجزء الأول للمقالات بعنوان (الشرق لأوسط…بداية النهاية أم العكس ؟ا)
الثورات اعربية المعروفة (بالربيع العربي) و التي اندلعت فى العام ٢٠١١ أصبحت لعنة اللعنات ليس فقد على من ابتلوا بها فى تونس و مصر وليبيا و سوريا و اليمن بل أيضا على من صنعوها فى الغرب و مولوها فى الشرق.
إلا أنه لابد و أن نشير إلى أن الأنظمة الزائلة نتيجة هذه الثورات ، غير مأسوف عليها و بالأخص فى مصر حيث كان نظام مبارك مدمرا للروح الوطنية المصرية و للإرادة الشعبية فى العمل والنهوض و مهدرا لكرامة أبناء الوطن و ناهبا لثوراته. كان هذا النظام البائد مزرعة موبوءة بالديدان التي نشأت و ترعرعت فى عهد أنور السادات أى جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية و باقي أذناب التيارات الدينية على كافة أشكالها من سلفيين و وهابيين و التي كان يتوهم مبارك من بعده انهم لن يكونوا سوى معارضة مخيفة للغرب والأقباط. بيد أن مرة أخرى أنقلب السحر على الساحر و تمكن الإخوان المسلمون من تطبيق فقه زعيمهم المقتول حسن البنا و الذي نشاء على مبدأ التُقية أى اتقاء شر الأغلبية الحاكمة و من ثَم اللجوء إلى الميكيافلية والانتهازية السياسية حينما تسنح الفرصة و التحالف مع الأقوى حتى الانقضاض على السلطة بأي ثمن، حتى و إن كان الثمن العمالة العلنية لحساب أجهزة إستخابرات دولية و سفك دماء الأبرياء من بني الوطن و مقاتلة شرطة و جيش مصر ، و هذا ما حدث بالضبط فى خضم ثورة ال ٢٥ من يناير من العام ٢٠١١ و التي كانت لابد و أن تقع لفساد النظام القائم آنذاك و ترهله من الرأس حتى أخمص القدمين.
و هنا نكرر أن المسؤول عن هذا الانهيار لمؤسسات الدولة هو نظام مبارك نفسه بأكمله بلا استثناء كما كان جمال عبد الناصر مسؤول عن هزيمة حرب يونيو الغير مبررة من عام ١٩٦٧
الخالق بارك أرض مصر و لذلك تجلت عنايته الإلهية بأسمى صورها و خلصت أرض الفراعنة من أعتى و أسوء اللعنات أى الحكم الديكتاتوري المتعفن لعصابة الإخوان المسلمين في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ و لكن كيف حدث ذللك فى خلال عام واحد فقط ؟ إنها الشدائد التي تكشف معدن الشعوب فى الأزمات. حيث أن شعب مصر ككل شعوب الأرض فيه الصالح و الطالح ، فيه من أبى أن يعترف بهؤلاء الخونة حكاما لمصر و أثر على إقتلاعهم من جذورهم ورميهم فى مزبلة التاريخ و فيه أيضا من لم يكن له أدنى حس وطني و تقبلهم بل شاركهم فى تدنيس أرض مصر. و لكن شكرا لله الذي وهب أغلبية شعب مصر وطنية و إصرار على عدم التسليم بالأمر الواقع و قام على قلب رجل واحد بالملايين فى التاريخ سالف الذكر و صرخ صرخة مدوية لن ينساها التاريخ و لن ينساها أعداء هذا الوطن ، صرخة جزع منها هؤلاء السفاحين المنتمين لمكتب إرشاد الشر و الإجرام. هذا أمر لم يفعله شعب آخر فى الشرق الأوسط وكان عنصر مفاجئة للغرب الذي يدعي أنه يملك أقوى أجهزة استخبارات و أفضل مراكز بحثية ملمة بأدق تفاصيل هذه البلدان و شعوبها ، فأحدا لم يتوقع أن يهّب الشعب المصري هذه الهبة فى وجه المتآمرين. و لكن مفاجئة المفاجئات للغرب و هى فى ذات الوقت لم تكن مفاجأة للشعب المصري و هي انحياز القوات المسلحة المصرية الباسلة لإرادة شعب مصر الذي يخرج من لدنه جنود و قيادات الجيش المصري و على رأسه آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع و الإنتاج الحربي القائد العام للقوات المسلحة.
و السؤال هنا هو لماذا موقف القوات المسلحة السلمي و الحازم الرادع فى ذات الأوان كان بمثابة المفاجئة للقوى الغربية و بالأخص للولايات المتحدة الأمريكية ؟ السبب هو أن الطبيعي أن نسبة الاستفادة الشخصية للفريق السيسي آنذاك و من معه فى القوات المسلحة كانت أعلى بكثير فى حال وقوفهم ضد ارادة الشعب حيث أن الولايات المتحدة و الغرب يروون أن بقاء التيار الديني فى ٌسدة الحكم يحقق لهم الشقاق المطلوب و يسهل بالتالي عملية التقسيم التى ترسم معالم الشرق الأوسط الجديد فكان تخيلهم أن السيسي سيتخذ القرار بالاصطفاف الى جوار معسكر الشر الاخوانجي للحفاظ على مصالحه الشخصية و عدم الدخول فى مواجهة مع القوى العظمى. هذا الظن الأمريكي لم يأت من فراغ حيث أن عادة الانبطاح أمام أوامر و رغبات العم سام لم تكن وليدة حكم الاخوان المسلمين بل كانت عادت و طقوس نظام مبارك البائد.
و الآن رئيس جمهورية مصر ، الرئيس عبد الفتاح السيسي أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا منذ عهد انقلاب جمال عبد الناصر عام ١٩٥٢الرئيس السيسي أرسى مبدأ قدسية ارادة الشعوب مهما كان الثمن وأرسى أيضا مبدأ استقلالية القرار السياسي بتوطيد العلاقات مع الدب الروسي و الامتناع عن توريط الجيش المصري فى حرب برية على الأراضي اليمنية بالرغم من العلاقة الوطيدة مع المملكة العربية السعودية.